languageFrançais

هدنة أم وقف إطلاق نار.. ماذا تحتاج غزة؟

ما الفرق بين الهُدنة ووقف إطلاق النار؟ وما هي التبعات القانونية لكليْهما؟

كثُرت الدعوات الدوليّة في الأيام الفارطة، لإعلان هدنة إنسانية في غزّة، مع دخول الحرب على القطاع شهرها الثاني، وتواصل الغارات الجوية والقصف الصهيوني العنيف، ما أدّى إلى استشهاد أكثر من 10 آلاف شخص، بينهم أكثر من 4100 طفل.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكّد في تصريحات سابقة، تحقيق تقدّم باتجاه التوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة، وذلك بعدما ذكرت تقارير أنّ واشنطن حثّت قادة الاحتلال على وقف إطلاق النار مؤقتا لمراعاة الرأي العام العالمي. حيث دعت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وأطراف دولية أخرى، في هذا السياق، إلى إقرار "هدنات إنسانية" تسمح بوصول المساعدات وإجلاء الرهائن الأجانب، مقابل، مناشدات منظمات إغاثية ومسؤولين أمميين ودول عربية بـ"وقف فوري لإطلاق النار". 

وسبق أن دعا زعماء الاتحاد الأوروبي إلى "هدنة إنسانية" في غزّة، حتى يتسنى توصيل المساعدات الإنسانية إلى القطاع بأمان. 

وزراء خارجية دول مجموعة السبع بدورهم، كانوا قد دعوا إلى إعلان هدنة إنسانية في قطاع غزة للسماح بإدخال المساعدات والعمل على إطلاق سراح المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، لكنهم لم يطالبوا إسرائيل بوقف إطلاق النار.

إلاّ أنّ قوى غربية في مقدمتها الولايات المتحدة، قد أكّدت أنّها لن تطالب الاحتلال، بوقف إطلاق النار في الوقت الراهن، بحجة أن ذلك "سيعزز موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)"، واستخدمت واشنطن حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي لعرقلة قرارات في هذا الصدد.

المدنيّون في غزّة يتحملون التكلفة الإنسانية الباهظة

وفي خضم ذلك، لم يكتفِ الاحتلال الصهيوني بجرائم الحرب والإبادة الجماعيّة التي يقترفها في حقّ الشعب الفلسطيني، فقد أطبق حصارا قاسيا على قطاع غزّة، الذي كان يعاني أصلا في السابق من الحصار، ليمنع دخول السلع الغذائية والأدوية والوقود، فضلا عن قطع الكهرباء ومياه الشرب.

وأمام هذا الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيش على وقعه الغزّاويون، لم يدخل عبر معبر رفح الحدودي، سوى بضع شاحنات من المساعدات، "التي لا تكفي حتّى يوم واحد من احتياجات السكان البالغ عددهم أكثر من 2.2 مليون إنسان"، وفق ما أكّدته الأمم المتحدة.

وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنّ الوضع الإنساني في غزة "كارثي، يزداد سوءا كلّ لحظة"، وإنّ "المدنيين في القطاع يتحملون التكلفة الإنسانية الباهظة، خاصّة النساء والأطفال".. 

كلّ ذلك يجعل الحاجة إلى وقف إطلاق النار أو الهدنة الإنسانية، أكثر إلحاحا، حتّى يتسنّى السماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع.

فما الفرق بين الهُدنة ووقف إطلاق النار؟ وما هي التبعات القانونية لكليهما؟

الهُدنة، تعني في هذا السياق، معاهدة تهدف إلى وقف الأعمال العدائية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضدّ القطاع غزّة، ولكنّها لا تعني نهاية الحرب عليه، إنّما هي فقط وقف القتل لفترة زمنية محدّدة. 

وظهر تعبير "هدنة إنسانية" كعرف في حروب الربع الأخير من القرن العشرين وحروب مطلع القرن الواحد والعشرين الميلادي، وكثر تداوله في معارك يوغسلافيا المنحلة في تسعينات القرن العشرين ومعارك سوريا وخاصة حلب وبعض معارك في ليبيا ومعارك أصغر إبان الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينات القرن العشرين.

أمّا وقف إطلاق النار، في هذه الحالة، يعني إيقاف الحرب على قطاع غزّة، مؤقّتا، حيث يتمّ الاتّفاق على وقف الأفعال العدوانية. ومن الممكن إعلان ذلك عن طريق معاهدة رسمية. ويبقى الغرض من وقف إطلاق النار أن "يكون طويل الأمد، ويغطي كامل المنطقة الجغرافية التي تعيش على وقع الصراع".

ويتميّز وقف إطلاق النار عن الهدنة بكونه لا يتضمن في العادة شروطا ذات طبيعة سياسية أو عسكرية، وإنّما يقتصر على وقف الأعمال القتالية مؤقتا. ويُعلن لفترة محددة وداخل نطاقٍ جغرافي محدد، كما أن وقف إطلاق النار قد يتضمن بندا يحدد وقف استعمال أسلحة دون أخرى. وقد يدوم أحيانا فترات طويلة أكثر مما اتُفق عليه مبدئيا، بل إنه قد يتحول إلى "سلام" غير مقنن. 

وعلى سبيل المثال، قد سبق أن تمّ إعلان وقف إطلاق النار بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الوطنية الفلسطينية في 8 فيفري 2005، عندما أعلن رئيس المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات عن التوصّل لوقف إطلاق النار كما يلي: "لقد وافقنا اليوم على أنّ الرئيس محمود عباس سوف يعلن وقفا كاملا لإطلاق النار وأعمال العنف تجاه الإسرائيليين وسوف يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون وقفا إطلاق نار كامل وجميع الأنشطة العسكرية تجاه الفلسطينيين".

ولكن وقف إطلاق النار أو الهدنة، لا يعني نهاية الأعمال العدائية المرتكبة في حقّ الغزاويين، بل يعني مهادنة فقط (وقف مؤقت للأعمال العدائية). علاوة على ذلك، هما لا يمثلان نهاية قانونية للاعتداءات الصهيونيّة على غزّة، في غياب اتفاق بعدم الاعتداء، التي تمثل نهاية الحرب.

ماذا تحتاج غزّة؟

وبعد أكثر من شهر من القصف الصهيوني، يعيش سكان قطاع غزّة الذين يتجاوز عددهم أكثر من مليونين أوضاعا إنسانية مأساوية في غياب أبسط المرافق الحياتية بسبب حصار مشدد يفرضه الاحتلال ومنع وصول المساعدات الانسانية، إلاّ ما ندر، فضلا عن الدمار الهائل بسبب القصف المتواصل الذي لم يستثن المرافق الحيوية كالمستشفيات والمخابز والمدارس.

مربعات سكنية محيت بالكامل من الخريطة وآلاف المنازل سُويت بالأرض جراء القصف الوحشي الذي أدّى إلى استشهاد ما يفوق 10 آلاف شخص وفق احصائيات وزارة الصحة في القطاع، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى.

دمار كبير لحق بالعديد من المستشفيات، وثلثها بات خارج الخدمة، وحتّى التي ما زالت تعمل تُعاني نقصا حادا في المستلزمات، وخاصّة الوقود..

وسط كلّ هذا الخراب والدمار والمآسي تحاول غزّة  الصمود، لكن الوضع الإنساني الحرج يحتّم على المجتمع الدولي التدخل العاجل وغير المشروط لوقف هذه المعاناة، وفرض وقف لإطلاق النار لا هدنة لأيام معدودة لذرّ الرماد على العيون وحفظا لما تبقى من ''ماء الوجه'' للقوى العالمية التي أعلنت دعما غير مشروط للعدوان الصهيوني، أمام تصاعد الانتقادات التي تواجهها.

أمل مناعي